الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة تشرين
ذهب قلبها معه
قيس العذاري
تجاوزنا استدارة نفق التحرير بشق النفس ، حشود متراصة ، وانا وسط اللجة اكتسفت وكأن "التكتك" صنعت لفوائد جمة . تنتظر بين الحشود ، تترك حولها فسحات صغير تعين على اختراق الحشود تمتد الى سياج نفق التحرير . يطل عليه جبل "احد" و على حواشي الخيم المنتشرة في الساحة . اتيح لي ان ارى طبيبة شابة تنحني على جريح جروحه طفيفة تسحبه الى السرير في الخيمة ، ويهرب منها فتلحق به مصرة على مداواة جروحه او تعقيمها .
نسيت نفسي وانا اتأمل ما تفعله الطبيبة الشابة ، كأنها عاشقة ولهانة بكل جوارحها ، قسمات وجهها الفتي تنبسط وتنفعل برقة امام الشاب ، يصر على العودة الى الجسر ، وتجرجر به الى السرير ، فتصدر من الطبيبات والاطباء ضحكات كالهمس في الخيمة ، سرعان ما تعالت ، حين انفلت من بين يديها وهرب خارج الخيمة باتجاه الجسر . كأنه اخذ قلبها معه الى الجسر يحميه، وقد سدته الحشود في الاتجاه المؤدي الى المنطقة الخضراء .
نبهني قاسم : الطريق من نفق التحرير الى السعدون مغلق .
قلت له نحاول ان نذهب في كل الاحوال!
كنا خارج الزحام ،الخيم امتدت على طول الشارع المؤدي الى السعدون من جانبي نفق التحرير .
وفي الطريق عند نهاية نفق التحرير ، توقف قاسم فجأة قرب خيمة امام مجموعة من الشباب ،يعزفون بحماس واندفاع على الات موسيقية اغاني وطنية ، وبينهم فتاة واحدة تمسك بالة صغيرة تشبه الناي .
سأل عن المسؤول او قائد الفرقة .
اجابه شاب يحمل الجيتار تفضل :
استصغر قاسم سنه !.
وسأله مازحا ودفتر النوتات مفتوح امامه :
تعرف تقره وتكتب "تقرأ وتكتب"؟
فضجت الفرقة بالضحك .
ومن خلال ضحكه وارتباكه قال الشاب، للمرة الثانية تفضل :
قرأ قاسم مقاطع من قصيدة اعرفها وقبل ان يكملها قال له الشاب مسؤول الفرقة ، هذه القصيدة سمعتها من قبل ، يردد مقاطع منها بعض المتظاهرين. وكلماتها لابي محمد .
قال له قاسم أتريد قصيدة جديدة غير ملحنة ومعروفة .
قال له الشاب : اتمنى ذلك .. يا ريت يا ريت!
قال له قاسم :
اكتب ..
لم اسمع القصيدة من قبل ،قد يكون كتبها الليلة البارحة عندما افترقنا بنهاية شارع الرشيد المشتعل نارا وحواجز كأنه ساحة حرب .
وما ان بدأ بقراءة القصيدة او مقاطع منها وقعت كأنها ملحنة بموسيقى وبالقاء بطيء وبحركة مكررة تملا القلب فرحا واملا .
القصيدة ليست بحاجة الى ملحن ،فقط تجد من يعزفها ،رغم ان صوته أجش وغير غنائي، ولكنها ستكون كذلك لو ان المؤدي مغنن .
لفتت كلمات القصيدة انتباهه وبذكائه انتبه وقال وكأنه متأكد مما قال :
انت ابو محمد .
2
شارع السعدون مغلق ،اصطف كالجدار على عرضه عناصر الشرطة ، سوى فتحة تكفي لمرور الاشخاص بعد التفتيش ذهابا وايابا ، تكفي ان ننفذ من نهاية نفق التحرير الى شارع السعدون وقت ما نشاء ، كأنه حاجز ثابت لا ينام فرضه المتظاهرون بساحة التحرير .
3
يزدحم شارع السعدون بمتظاهرين من نوع اخر او محطة استراحة للعابرين . المقاهي والمطاعم ممتلئة بالزبائن وازدحامات هنا وهناك على جانبي الشارعين . اعدت على قاسم ما رأيته وشاهدته بالخيمة "المستشفى" خيمة الطبيبات والاطباء .ارتشف شايه ببطء وقال : الحب مختلف هنا، له طعم اخر . يقترن بحدث تأريخي لا يمكن للمرء ان ينساه ابدا مهما مضى به العمر . واضاف ولكن انها ممكن ان تعيد ما فعلته مع الشاب الجريح مع شباب اخرين لان حبها العميق لهم مسبق وليس صدفة .
قلت له بلا فلسفة .
اخد نفسا عميفا من سكارته بعد ان توقف وقال وهو يضحك :
حظي وين؟
يتأمل الفتيات والنساء المارات بشارع السعدون ، كأنه يعرفهن من قبل وعن قرب ، اوسبق ان التقى بهن ،او راهن مرات ومرات مع المتظاهرين في ساحة التحرير وجبل "احد" المطل على الساحة .
27.12.2019